زعموا أنه كان أسد في أجمة* , و كان معه ابن آوى* يأكل
من فضلات طعامه . فأصاب الأسد جرب و ضعف شديد, و جهد* فلم
يستطع الصَيد.فقال له ابن آوى: ما بالك يا سيد الأسباع قد
تغيرت أحوالك ؟ قال: هذا الجرب الذي قد جهدني و ليس له
دواء إلا قلب و حمار و أذناه . قال له ابن آوى ما أيسر
هذا, و قد عرفت بمكان جمار مع قصار* يحمل عليه ثيابه,
وأنا آتيك به. ثم دلف* إلى الحمار , فأتاه و سلم عليه
و قال له : ما لي أراك مهزولا ؟ قال : لسوء تدبير صاحبي
, فإنه لا يزال يجيع بطني و يثقل ظهري , و ما تجتمع هاتان
الحالتان على جسم إلا أنحلتاه*و أسقمتاه* . فقال له:
كيف ترضى المقام معه على هذا ؟ قال: مالي حيلة للهرب منه
, فلست أتوجه إلى جهة إلا أضر بي إنسان , فكدَني وأجاعني.
قال ابن آوى: فأنا أدلَك على مكان معزول عن الناس لا يمر
به إنسان, خصيب المرعى, فيع قطيع من الحمر ترعى آمنة مطمئنة.
قال الحمار : و ما يحبسنا عنها فانطلق بنا إليها . فانطلق
به نحو الأسد, وتقدم ابن آوى, و دخل الغابة على الأسد, فأخبره
بمكان الحمار. فخرج إليه و أراد أن يثب عليه, فلم يستطع لضعفه
, و تخلص الحمار منه فأفلت هلعا*.فلما رأى ابن آوى أن الأسد لم
يقدر على الحمار قال له: يا سيد الأسباع أعجزت إلى هذه الغاية
؟ فقال له: إن جئتني به مرة أخرى فلن ينجو مني أبدا ً. فمضى
ابن آوى إلى الحمار فقال له: ما الذي جرى عليك ؟ إن أحد الحُمر*
رآك غريبا فخرج يتلقاك مرحَباً بك , و لو ثبتَ لآنسك و مضى بك إلى أصحابه .
فلما سمع الحمار ذلك, ولم رأى أسدا قط َ, صدَق ما قاله ابن آوى
و أخذ طريقه إلى الأسد. فسبقه ابن آوى إلى الأسد و أعلمه بمكانه
و قال له: استعدَ له فقد خدعته لك, فلا يدركـنـَك الضعف في هذه
النوبة, فإن أفلت فلن يعود معي أبدا ً, و الفرص لا تصاب في كل وقت.
فجاش جأش الأسد* لتحريض ابن آوى له, و خرج إلى موضع الحمار ,
فلما بصر به عاجله بوثبة افترسه بها , ثم قال: لقد ذكرت الأطباء
أنه لا يؤكل إلا بعد الاغتسال و الطهور , فاحتفظ به حتى أعود ,
فآكل قلبه و أذنيه , و أترك لك ما سوى ذلك قوتــًا لك .
اذنيه رجاء أن يتطير الأسد منه فلا يأكل منه شيئا. ثم إن الأسد
رجع إلى مكانه فقال لابن آوى: أين قلب الحمار و أذناه ؟ قال
ابن آوى: ألم تعلم أنه لو كان له قلب يعقل به, و أذنان يسمع
بهما لم يرجع إليك بعدما أفلت و نجا من التهلكة ؟