بعد هذه الهزيمة النكراء لابراهيم باشا بعد ان هلك نصف جيشه و خيرة ضباطه و كبار قادته و وزير الحربية ارسل يستنجد بأبيه
محمد علي الذي ذهل للاخبار المريعة
فقرر ابادة الدروزعن بكرة ابيهم و ارسل بطلب اقوى فرقة بجيشه و هي اربعة الاف ألباني بقيادة حاكم
كريت و ضم اليهم عشرين ألف جندي حشدهم أوائل نيسان ١٨٣٨ و تجمعوا مع كتائب ابراهيم باشا في قرية الصورة و
استأجروا ١٥٠ بدويا" ليدلوهم على مسالك اللجاة
و قاد الجيش ابراهيم باشا بنفسه هذه المرة و قسم الجيش الى اربعة فيالق توزعت على محور الهيات و
المسمية و تبنة و قراصة و بصر الحرير و نجران و ريمة لمحاصرة الدروز ....
بعد اطباق الحصار بشكل كامل اندلعت الحرب من جديد و كانت المعارك أشد ضراوة من سابقاتها تكبد
فيها جيش المماليك خسائر فادحة و من اشدها عنفا" معركة داما حين ادخل ابراهيم باشا الخيالة الاكراد الاقوياء الى
ارض داما و عددهم ٨٠٠ و تبعهم مع العساكر النظامية و ما ان داس الاكراد ارض داما حتى اطبق عليهم بنو معروف
و كسروهم كسرة هائلة" فر من نجا منهم على اقدامه يستنجدون بالجيش النظامي الذي حاول انقاذ من بقي منهم بالمدافع
دون فائدة حتى نجا منهم ١٤ فقط فدب الرعب في قلوب الجنود النظاميين و قد سمعوا بما حل بالجيوش الاولى و ارعبهم
سيط الموحدين و بدأ الجنود بالفرار كلما لمحوا مقاتلا" من الموحدين(الدروز)من بعيد و تبعهم المعروفيون يهلكونهم بالبارود و السيوف و
فر الجميع بمن فيهم ابراهيم باشا خارج اللجاة تاركا" خلفه الفان قتيل من الجنود و اكثر منهم من الجرحى...
في هذه الاثناء استغل البدو عشيرة ولد علي بقيادة شيخهم ابن سمير و كعادتهم بالغدر و الجبن , استغلوا
انهماك الموحدين بحربهم الطاحنة و هاجموا جنوب الجبل و نهبوا قرية و قتلوا عدة نساء و شيوخ و سرقوا ما اتى امامهم
من متاع و ماشية و هربوا جنوبا" ...
وصل الخبر الى مقاتلي اللجاة فغلى الدم في عروقهم غضبا" و نظموا خطة رائعة قاموا ليلا" كاملا"
بجمع الحطب و جعلوه صفا" كثيفا" و غطوه بالتراب و اضرموا فيه النار فتصاعد الدخان كثيفا" لبد الجو كله و كأنه
الجحيم فاستيقظ الجيش المصري مرعوبا" من الدخان و اعتقد انها كمين من الموحدين فأخذ بالتراجع و الاستعداد و حفر
الخنادق ...
فيما ذهب اغلب المقاتلين الموحدين ليتعقبوا البدو حتى منطقة صبحة في الاردن و من شدة غضبهم كادوا ان
يفنوا العشيرة عن بكرة ابيها و استرجعوا ما نهب منهم و عادوا يحثون الخطى الى متاريسهم في اللجاة خلال ثلاثة ايام
و ليلة .زادت المعارك ضراوة و ازداد رعب الجنود من الموحدين عندها افلست كل خطط وجيوش ابراهيم باشا
انفجر غضبا" فقرر اتخاذ الخسة طريقا" لنصر مزيف , فأمر كبير أطبائه بصنع محلول يسمم به مياه الشرب فرفض
ناظر الصحة الطبيب كلوب بك الامر و قال له هؤلاء قوم يستحقون التكريم لا التسميم و ما تخطط له عمل لا إنساني
يشمل النساء و الاطفال
فأبعده ابراهيم باشا و استدعى اطباء" صنعوا له محلولا" سليمانيا"
ألقاء في المياه و الوديان و ألقى بها جثثا" لجنوده..
و أعلم الموحدين (الدروز) بشكل غير مباشر, ثم اخذ يردم البرك هنا و هناك حتى اشتد العطش على بني معروف
المحاصرين في اللجاة و رغم هذا رفضوا الاستسلام بل فاجئوا المماليك بأن اشتدت قوتهم و ضراوتهم و صمدوا
يحاربون بعنف لمدة شهرين ..
دارت المعارك حول أحواض المياه لأن الشيوخ و الاطفال بدأت تموت عطشا" ثم التف بعض كتائب
الجيش حول احراش قنوات و استولوا على ثمانية ألاف رأس من الغنم بعد ان قاومهم حماتها و كانوا لا يتجاوزون
العشرين ليوم كامل ثم استشهدوا جميعا"
و تتالت المعارك الطاحنة و بنو معروف يسطرون صفحات المجد فيها بقلة عددهم و عطشهم و جوعهم و
استشهاد اطفالهم عطشا" و يرفضون الخضوع
و قرب قرية جرين حصلت معركة رهيبة دامت ثمانية ساعات حول خزانات المياه الاربعة و كان المماليك
فد ردموا ثلاثة منها حتى تمكن الدروز من حمل بعض المياه لاطفالهم و نسائهم
و كانت المعركة الاخيرة قرب نبع براق حيث استقتل فيها الروز بعد ان بقي من مقاتليهم اقل من ستمئة
محارب و استطاعوا ابادة ألفان من الالبان الاشداء المدججين بالاسلحة و المؤنة و جرحوا اكثر من ثلاثة ألاف و
استشهد منهم ثلاثمئة حتى وصلوا الى النبع و حملوا ماء" كفاهم ليرحلوا من اللجاة حتى وادي التيم بعد ان انقطع الماء
عنهم تماما" ففضلوا الرحيل على الاستسلام...
ليستعيدوا عافيتهم و يؤمنوا على نسائهم و أطفاهم ثم يعودون لتطهير الجبل من المصريين المماليك
رحل في البداية شبلي آغا العريان مع مئتي مقاتل من العشيرة المعروفيةو قبلهم رحل بعض النساء و الاطفال مع
قليل من الرجال الى نيحا في لبنان فتوجهت بعض كتائب الجيش لقطع الطريق عليهم
وصل الخبر الى العريان فحث الخطى مع مقاتليه و التحق به بعض من ابناء معروف ف حاصبيا و اشتبكوا مع
الجيش عند اطراف الجبل و الشوف و كانت كتائب الجيش تتجاوز الثمانمئة و الموحدين بقيادة العريان حوالي الثلاثمئة و
ما ان حل المساء حتى كان الموحدين قد فتكوا بأكثر من ٣٠٠ جندي ففر باقي الجيش نحو البقاع و بدأ البقاعيون
باصطيادهم .
وصل الخبر لوالي دمشق و قرر عدم خسارة جند اكثر مما خسر فأرسل ألف جندي و لكنه أرفقهم بمئة
مدفع بعد ان تأكد ان المواجهة القريبة وجها" لوجه مع بني معروف معناها ابادة لجنوده
وصلت الفرقة اطراف جبل لبنان فهاجمها الدروز و اجبروها على الهرب لتعتصم بقلعة راشيا و حالوا
بين فرقة المدافع و القلعة فلجأوا الى موقع مرتفع لكن الدروز هاجموهم ليلا" و قتلوا اكثرهم و اسروا البقية و استولوا
على المدافع و الاسلحة فانقطع الامل عند الجنود المعتصمين في القلعة فحاولوا الهروب ذات ليلة نحو البقاع الا ان
الموحدين تبعوهم الى هناك و أبادوهم كلهم و استولوا على الاسلحة
استشاط ابراهيم باشا غضبا" و أخذ يلعن بني معروف سوريا و يصفهم بالذئاب الجائعة فأمر امير المسيحيين في
لبنان بشير الشهابي بقيادة اربعة الاف مقاتل من المسيحيين و ضمهم لجيش المماليك و القضاء على كل موحد في وادي
التيم
علم بني معروف في لبنان بمؤازرة بشير الشهابي لابراهيم باشا فخف منهم ألف محارب بقيادة حسن جنبلاط و ناصر
الدين عماد و تحصنوا في غابة بجانب عيحا مقابل الجيش و بدأت المناوشات دون نتيجة واضحة عندها دس ابراهيم
باشا خبرا" للموحدين مفاده ان قافلة اسلحة قادمة للجيش عن طريق وادي بكا فهب ثلاثمئة من الدروز لقطع الطريق عليهم
و اذا بهم محاصرون من جهتين بين جيش مصطفى باشا من جهة بكا و ابراهيم باشا من الخلف و بدأ الاشتباك بضراوة
عندها هب من بقي في عنيحا لنجدة رفاقهم و جرت معركة هائلة في مكان وعر منبسط لا مكان للاحتماء فيه من
الرصاص و بعد ٤ ساعات من القتال استشهد ناصر الدين عماد و ٢٠٠ من رجاله و نفذت الذخيرة من الدروز فأخذوا
يرشقون الحجارة و يستعملون السيوف عندها رأى الشيخ حسن جنبلاط ان لا فائدة من القتال و قد خسر ١٣٠ من رجاله
فانسحب الى قرية شبعا قرب جبل الشيخ و تحصنوا عند بني معروف جبل الشيخ فهاجمهم المماليك من ثلاثة جهات الموارنة من
الغرب و قد سحقهم الدروز و النابلسيين من الجنوب و تغلب عليهم الموحدين و ابراهيم باشا من جهة الشمال مع القوات
الرئيسية والذين تمكنوا من محاصرة الموحدين فأعلن الشيخ حسن البيطار الصلح و ضغط الجند المنهكين على ابراهيم
باشا للقبول بالصلح فوافق بشرط دية يدفعها الموحدون و هي اربعمئة بندقية فرفض الشرط دروز العريان و لبنان و
الاقليم و التحقوا بالثوار في اللجاة الذين افقدوا جنوب سوريا كله الامان بسبب غاراتهم الضارية و القاتلة على ثكنات
الجيش
فاسقط في يد ابراهيم باشا الذي عجز بحيله و جيوشه عن كسر بني معروف فأوفد الشيخ حسن البيطار ليعقد
الصلح مع بني معروف في اللجاة و تم الصلح بشروط الدروز و سلموا ٢٠٠٠ بندقية من غنائمهم مقابل اعفاء الدروز من التجنيد و
الضرائب و السخرة و المحافظة على اسلحتهم و تعهد الجيش بعدم المس بمناطقهم و تعهد الحكومة المصرية بعدم
التدخل بشؤونهم الداخلية
انتهت ثورة الموحدين بالنصر و ألف الشيخ أبو علي الحناوي ما يلي :
من بعد ذا ابراهيم جرد علينا .... يبغى الحرايب عسكرا" جرار
دخل اللجا زحفا" بجيش عرمرم...و نحنا قلايل و العدو كثار
صحنا كما تهدر سباع الكواسر.... القوهم بالبلطات و البتار
وبرج الغضب جانا ابراهيم باشا.....بالارنؤوط و الترك والبلغار
ذبحنا الوزير و كل ضباط عسكرو...و ثلثين جيشه راح قصف عمار
ستين كون نقابلو و ما نهابو .... و نكسر جيوشه بقوة المختار
اخذنا المدافع و الجباخان و الزخر.....و الذبح لا يحصى له مقدار
و كم بطل منا خلاوي اذا لكد... على الجمع يدعى للجيوش دمار
يفعل بهم ما يفعل الذيب بالغنم ... يضرب باليماني الصارم البتار
هذي قلعتنا و هذي لجاتنا .... تربة عدانا من دخلها حار
ترى جدنا النعمان خليفة سما لخم .... ومنذر و هاني سادة أخيار
سلمان و المقداد ايضا" جدودنا.... ابو ذر و رفاعة كذا عمار
بلغت فداحة الجيش المصري من الخسائر ما يفوق العشرة ألاف قتيل و اكثر منها جرحى و اكثر من مئتا
ضابط و قائد و وزير الحربية و كانت هذه الخسائر هي سبب ضعف حكم المماليك امام الاوروبيين و انسحابه من سورية
و استشهد من ابناء بني معروف حوالي اخمسمئة شهيد ونعتذؤ عن ذكر اسمائهم لان لم يبقى احدمن عائلات بني معروف إلا وروت بدمائها الطاهرة ارض الجبل الاشم
هي حرب البقاء لا الهجوم ..هي حرب صون الارض و العرض ..هي قتال الموحد غريزة" بين عشق
الكبرياء و الاستهانة بالموت .. انها حروب الليل و النهار و المفاجأة و الغدر ..فكيف ينام الدرزي على فراش وثير و
كيف يسكن الى الظلام و يأنس و كيف يطيق فراق حبيبته التاريخية البندقية ذات الفتيل او صاحبه الوفي السيف الصقيل
فما هي الا صيحة و يكون اثاثه و زوجته و ولده على ظهر دابته يؤمنهم و تكون المعمعة.. و ينشأ الطفل
على صوت البارود و هو يرضع الدم مع حليب امه
هي حروب رجال يستقطروا لوليدهم و زوجاتهم الصخر و يستنبتون الوعر
بحر الدماء خلفهم و بدوي جائع غادر بجانبهم و جيوش جرارة امامهم و الكل ينوي ذبحهم و هم لا يريدون
سوى الكرامة و الكبرياء ..... فكيف لا ينتصرون ؟
ويروي الشيخ المجاهد أبو علي قسام الحناوي أثناء احد مجالس الدينة في لبنان كيفة سد المدفع بعمامته التى أرعبت وأذهلت العداء
هجمت علينا الحملة العسكرية العثمانية المجهّزة بأحدث الوسائل العسكرية في ذلك الوقت وبينها
المدافع ، وكان بينها مدفع كثير الضرب ، صممت على أن أخرسه فهجمت عليه راكبا فرسي ومسكت
بعمامتي وسددت بها فوهة المدفع فارتعب الجنود العثمانيون وتفرقوا وفي هذه الأثناء جاء زميلي أبو
عساف وقفز بفرسه فوق المدفع وأطاح برأس كبير الجنود العثمانيين حوله فاستولينا على المدفع
وهزمنا الحملة العثمانية وعلّمناهم درسا قاسياَ .